

خسائر مليارية.. كيف تدهور الاقتصاد السوري في عهد بشار الأسد؟
شهد الاقتصاد السوري على مدار عقود عديدة سلسلة من التحديات والصدمات، لكن الصراع الداخلي الذي دام لسنوات كان بمثابة الضربة القاصمة التي أثرت على جميع القطاعات الاقتصادية، فقد أدت الأزمات المتتالية، التي تراكمت بفعل الحرب والعقوبات الدولية، إلى شلل شبه كامل في الاقتصاد السوري، حيث انخفضت القدرة الإنتاجية بشكل ملحوظ، وتزايدت معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة.
ومع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، يواجه الاقتصاد السوري مجموعة من التحديات المركبة. من أبرزها إعادة بناء البنية التحتية المدمرة التي كانت تعتبر شريان النشاط الاقتصادي في البلاد، مثل الطرق والمرافق العامة والمصانع، والتي تتطلب استثمارات ضخمة لإعادتها للعمل. ولكن هذا يتصادم مع محدودية الموارد واستمرار الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
إضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد من نقص حاد في الكفاءات البشرية المؤهلة، حيث هاجر العديد من المهنيين بحثًا عن فرص أفضل في الخارج، كما أدى انهيار المؤسسات المالية والنقدية إلى فقدان الثقة في النظام الاقتصادي السوري، مما يجعل استعادة الاستقرار المالي أحد الأولويات الملحة.
على الرغم من هذه التحديات، فإن سقوط النظام قد يمثل نقطة تحول لإعادة التفكير في مستقبل سوريا. هذه اللحظة قد تكون بداية لوضع رؤية شاملة ترتكز على إعادة الإعمار بمشاركة دولية، وتعزيز القطاعات الإنتاجية، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة تساهم في تعافي الاقتصاد، وتعيد الأمل للسوريين بمستقبل أفضل.
خلال سنوات الحرب المستمرة في سوريا، تقدر خسائر الاقتصاد السوري بمبالغ ضخمة، وفقًا لوزير المالية السابق كنان ياغي، تقدر الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري بحوالي 300 مليار دولار، بينما تشير تقديرات أخرى، مثل تلك التي أعدها المركز السوري لبحوث السياسات، إلى خسائر تصل إلى 650 مليار دولار بحلول عام 2021.
التأثيرات الاقتصادية شملت جميع القطاعات الحيوية:
- القطاع الزراعي: فقد نحو 16 مليار دولار، بعد أن كان يوفر فرص عمل لحوالي 5 ملايين سوري.
- القطاع الصناعي: تكبد خسائر بلغت 25 مليار دولار، مما أدى إلى تراجع الصادرات من 9 مليارات دولار في 2010 إلى أقل من مليار دولار في 2023.
- قطاع النفط والغاز: عانى من خسائر ضخمة وصلت إلى 115 مليار دولار بسبب تراجع الإنتاج بشكل كبير من 400 ألف برميل يوميًا إلى أقل من 15 ألف برميل.
بالإضافة إلى الأضرار الاقتصادية، يعاني حوالي 12 مليون سوري من النزوح الداخلي والخارجي، و6 ملايين يعيشون في فقر حاد، بينما يواجه 12 مليون شخص آخرين انعدام الأمن الغذائي.
وفيما يتعلق بالوضع الحالي، فقد شهدت الليرة السورية انهيارًا غير مسبوق بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث هوت قيمتها بشكل حاد. في دمشق، انخفضت قيمة الليرة بنسبة 42%، ليصل الدولار الواحد إلى 22 ألف ليرة، بينما في حلب وصل الدولار إلى 36 ألف ليرة بانخفاض نسبته 64%. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية بنسبة تصل إلى 50%، مما فاقم معاناة الشعب السوري.
هذا التدهور الاقتصادي يعكس بشكل واضح حجم التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد النزاع، ويؤكد الحاجة الملحة لإعادة الإعمار والتعافي في مختلف القطاعات.
الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية يعكس بشكل واضح تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، ما سيكون له تأثير كبير على حياة المواطنين السوريين. حسب تقارير البنك الدولي الأخيرة، فإن الصراع المستمر في سوريا، والضغوط الخارجية المتزايدة، قد أسهما في تدهور الوضع الاقتصادي بشكل ملموس في 2023، إذ سجلت الليرة انخفاضًا بنسبة 141% مقابل الدولار الأميركي. كما ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 93%، ما جعل القدرة الشرائية للمواطنين تتآكل بشكل كبير.
تشير التوقعات إلى استمرار هذا التدهور في عام 2024، مع تراجع متوقع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5%، واستمرار ضعف الاستثمار الخاص بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي. كما يُتوقع استمرار التضخم، مع احتمال خفض الدعم للسلع الأساسية مثل الغذاء والمحروقات، مما يفاقم الأوضاع المعيشية.
ووفقًا للكاتب الصحافي شريف شحادة، فإن الحروب والأزمات الاقتصادية تخلق حالات من الجشع والاحتكار، مما يساهم في زيادة الأعباء على المواطنين. فمع غياب الطرق المفتوحة، وصعوبة إيصال المواد الأساسية، تتفاقم الأزمة الاقتصادية.
هذه الأزمة الاقتصادية لم تقتصر على داخل سوريا فقط، بل امتدت آثارها إلى دول الجوار بسبب النزوح الجماعي، كما أن التقارير تشير إلى أن أكثر من 16 مليون شخص يحتاجون للمساعدات الإنسانية. بحسب البنك الدولي، كان الفقر قد طال 69% من السكان في عام 2022، وتفاقم الوضع بسبب الأزمة في لبنان وجائحة كورونا، إضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.
الاقتصاد السوري في حالة شديدة من التدهور، مع صعوبة في توفير السلع الأساسية، وزيادة معدلات الفقر، ما يشير إلى ضرورة البحث عن حلول مبتكرة تشمل إعادة بناء البنية التحتية ورفع مستوى المساعدات الإنسانية.


استطلاع راى
هل تؤيد تعديل قانون الإيجار القديم بما يضمن تحقيق توازن بين حقوق المالك والمستأجر؟
نعم
لا
اسعار اليوم
